12‏/11‏/2008

الأغنية الشّعبيّة ـ دراسة مقارنة ـ ليبيا وتونس نموذجا

تقديـم : كلّ دراسة ـ مهما ادّعت من موضوعيّة وحياد ـ هي في الواقع ذاتيّة . وهي ذاتيّة بقدر ما ينبثق فيها من اجتماعيّ وما يقودها من بيئة محيطة تسوسها وتوّجهها...فالذّات ليست مطلقا متعاليا فكيف إذا كانت الدّراسة مقارنة ؟ وكيف إذا كانت عن أجمل ما أضافته البشريّة إلى حقلها الجماليّ ؟
الأغنية الشعبيّة مرادفا للهامش الثّقافيّ : لم تستطع البنية الثّقافيّة الهشّة أصلا على الصّمود أمام المحاولة التّونسيّة الأولى لتوحيد السّوق و"دولنة" الثّقافة بما فيها ـ وخاصّة ـ الشّعبيّة ، فلقد تمّ توحيد النّمط الغنائيّ ـ مرورا بتوحيد تعليميّ غريب ـ ممّا أسفر عن مولود "شعبيّ" مسخ جسّدته "كونترا" ثقافيّة في حين مكّنت الثّروة النّفطيّة الوافرة حكّام ليبيا الحالمين بالثّورة العربيّة من مشاغل التّحديث والاهتمام بالآخر ،وفي ظلّ علاقات حكم تداخل فيها القبليّ والأسريّ استطاعت الجهات في ليبيا المحافظة على أصالة تراثيّة جيّاشة .
في حين قولبت الأغنية الشّعبيّة ـ حين جرى البحث عن تجديدها وإبرازها ـ في تونس ضمن رؤية "ساذجة وماكرة" ـ في إطار ذاتيّ محض.لجأ إلى السّائد والسّهل ممّا ساهم في بروز "الإيقاع" و"النّفخ" كصورة قابلة للتّسويق السّياحيّ فيما انسابت الأغنية الشّعبيّة اللّيبيّة مراكمة تراثها الفذّ غير عابئة بالآخر الذي بحثت عنه مثيلتها التّونسيّة.
ولذا تمكّنت من الاحتفاظ بسماتها في حين فقدت الأولى إمكانيّة تجاوز نفسها بعد أن نسجت قوالب انتهت في الأخير إلى موتها زمنيّا وإن كانت قد استمرّت حضوريّا ولكن دون أن تتطوّر.
وكمثال أقدّم هذه الأغنية التي تنتمي لنمط من الغناء في حضر ليبا يسمّى 'المرسكاوي" وهو عبارة عن وصلة مطوّلة تبدأ بموّال ثمّ اللاّزمة وينتهي بما يسمّى "التبرويلة " وهي الخاتمة بإيقاع سريع.
الأغنية الأولى : قالولها راجل عدو ويجيكم....قالتلهم بالسّيف غصب عليكم
والأغنية الثّانية : ما بي مرض غير فضية جيوبي....وكثرة عيوبي...نعتب على الأصحاب ما يندروا بي
والأغنية الثّالثة : أنا والزّمان مقالبه...على اللّه نصبح غالبه.

هناك تعليقان (2):

abunadem marzouki يقول...

التحول الذي عرفته الاغنية في تونس ربما يعود الى طبيعة المجتمع التونسي الذي كان منذ الستينات منفتحا على الاخر .عكس المجتمع اللليبي الذي ما زال تحكمه عصبيات قبلية ظلت تنغلق على عاداتها وتقاليدها فانت تجد الفرق واضح حتى في ليبيا بين الاغنية في مطروح مثلا والاغنية في فزان او طرابلس فالمجتمع الليبي مجتمع قبلي ينغلق على الداخل.لذا حافظ اليبيون على نفس عادات السلف الغنائية او حتى الاجتماعية وان بدت ليبيا الان في طرقها الى التحول والانفتاح ايضا.كلنا نذكر ما حدث مع حميد الشاعري ..وحتى مع المزداوية...يبدو فوزي مجددا عن نمط السلف المرسكاوي..

بن لطيّف يقول...

هذا بالضّبط ما أتعرّض إليه لاحقافشكرا أبا ناظم على مرورك الذي يترك على المدوّنة عطرا لذيذا