قلـت ـ وأنـا لا زلـت أضمّـه ـ :
ـ اعـذر يـا "مـولانا" جـرأتي علـى زيارتك في مثل هـذا الوقت !
ردّ بـابتسامة هـادئة تنضـح صـدقا ، وبلكنة مـداعبة :
ـ ده الشّـوق للحبيب لـوه عمايل !
ضحكـتُ...وضحك "عـم كامـل" ليـدعوَني للجلـوس إلـى طـاولة صغيـرة علـى يمين بهـو الغـرفة من المـدخل... علّقت فوقها ـ علـى الجـدار ـ شهـادة تكـريم وحيـدة ، فـوجئتُ أنّها من "الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان"...
جلـس "مـولانا" علـى الكـرسيّ الثّـاني قريبًـا منّي حـدّ اللّمس ،،،فأومضت روحي ، وأحسست بمصـر كلّها تغمـرني...
استـأذننا "عـم كامل"...وخـرج...وظللـتُ منفـردا للحظـات مـع رجـل حلمـتُ طويـلا أن أسمع أغـانيه ، لا أن ألقاه في بيته...
ـ مـن فيـن بالضّبـط يا مْحَمَّـد ؟
ـ مـن الجنـوب يا "مـولانا" .
ـ قـابس ؟
ـ لسـتُ بعيـدا عنهـا .
ـ تعـرف "آمال الحمـروني" ؟ دي بنت ما فيش زيّهـا
ـ أعـرفها عن بعد...ولست قـريبا من "البحث الموسيقيّ" إلاّ قـرب استماع ومتابعة...
كـان في قلبي سـؤالان...وكنت أضمـرهما مـن زمـن غير قريب علـى أمل أن يجـيء يـوم كهـذا...سؤالان أعـرف أنّ "مولانا " وحـده يعـرف الإجابة عنهما.
ـ يـا سـلام...قـول يـا "محمّـد"
ـ مـولانا ! سمعت مـرّة صديقا يـردّد أغنية قال أنّها لـك...وقـد سمعها في إحـدى الإذاعات...يقول مطلعها :
امـلالي امـلالي امـلالي
واسقينـي الـود يـا غالي
ابتسم "مـولانا" تلك الابتسامة التي لن أنسى سحـرها أبـدا :
ـ آه...دي لحّنتها سنـة 1968...وإيـه يا سيـدي ثـاني؟
ـ سمعـت قصـيدا لشـاعر عربيّ يـذكر اسمك فيه...
ومهما السّجون تضمّ "إمـامًا"
يظـلّ على شفة الكادحين الغنـاءُ (مظفّر النّوّاب ـ عروس السّفاين)
ـ ده "مظفّر النواب"...جاني هنا سنة 1976 ، وقعد ع الكرسي اللّي قاعد عليه إنت دلوقت !
أحسست بامتنان للدّنيا ،وللصّدفة التي منحتني هذا اللّقاء...
عـاد "عم كامل" يحمل كأسيْن من الشّاي وضعهما أمامنا ، وبالكاد أخذت رشفة ، فلم أعد قادرا على أكثر من ذلك.
ـ أستأذنك يا "مولانا"... بكره (كذا) أراك !
ردّ مازحا :
ـ إنتو تقولو "غدوه"...يا سيدي حستنّاك...السّاعة تسعه الصّبح...ماشي ؟
ـ ماشي يا "مولانا"...تصبح على خير
ولستُ أدري إلى الآن كيف أحبّني "مولانا" و"عم كامل" بتلك السّهولة...حبّ عشته طيل الفترة التي قضّيتها في المحروسة...
(يتبع)