28‏/04‏/2009

زيارة إلى الشّيـخ إمـام : مَـوْلـى "الحـرافيش" (2)


انـدفعتُ أعانـق "مـولانا" وأقبّـل يـده ،دون أن ألحـظ استغرابه من هـذا الشّـوق الحـارّ...

قلـت ـ وأنـا لا زلـت أضمّـه ـ :

ـ اعـذر يـا "مـولانا" جـرأتي علـى زيارتك في مثل هـذا الوقت !

ردّ بـابتسامة هـادئة تنضـح صـدقا ، وبلكنة مـداعبة :

ـ ده الشّـوق للحبيب لـوه عمايل !

ضحكـتُ...وضحك "عـم كامـل" ليـدعوَني للجلـوس إلـى طـاولة صغيـرة علـى يمين بهـو الغـرفة من المـدخل... علّقت فوقها ـ علـى الجـدار ـ شهـادة تكـريم وحيـدة ، فـوجئتُ أنّها من "الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان"...

جلـس "مـولانا" علـى الكـرسيّ الثّـاني قريبًـا منّي حـدّ اللّمس ،،،فأومضت روحي ، وأحسست بمصـر كلّها تغمـرني...

استـأذننا "عـم كامل"...وخـرج...وظللـتُ منفـردا للحظـات مـع رجـل حلمـتُ طويـلا أن أسمع أغـانيه ، لا أن ألقاه في بيته...

ـ مـن فيـن بالضّبـط يا مْحَمَّـد ؟

ـ مـن الجنـوب يا "مـولانا" .

ـ قـابس ؟

ـ لسـتُ بعيـدا عنهـا .

ـ تعـرف "آمال الحمـروني" ؟ دي بنت ما فيش زيّهـا

ـ أعـرفها عن بعد...ولست قـريبا من "البحث الموسيقيّ" إلاّ قـرب استماع ومتابعة...

كـان في قلبي سـؤالان...وكنت أضمـرهما مـن زمـن غير قريب علـى أمل أن يجـيء يـوم كهـذا...سؤالان أعـرف أنّ "مولانا " وحـده يعـرف الإجابة عنهما.

ـ يـا سـلام...قـول يـا "محمّـد"

ـ مـولانا ! سمعت مـرّة صديقا يـردّد أغنية قال أنّها لـك...وقـد سمعها في إحـدى الإذاعات...يقول مطلعها :

امـلالي امـلالي امـلالي

واسقينـي الـود يـا غالي

ابتسم "مـولانا" تلك الابتسامة التي لن أنسى سحـرها أبـدا :

ـ آه...دي لحّنتها سنـة 1968...وإيـه يا سيـدي ثـاني؟

ـ سمعـت قصـيدا لشـاعر عربيّ يـذكر اسمك فيه...

ومهما السّجون تضمّ "إمـامًا"

يظـلّ على شفة الكادحين الغنـاءُ (مظفّر النّوّاب ـ عروس السّفاين)

ـ ده "مظفّر النواب"...جاني هنا سنة 1976 ، وقعد ع الكرسي اللّي قاعد عليه إنت دلوقت !

أحسست بامتنان للدّنيا ،وللصّدفة التي منحتني هذا اللّقاء...

عـاد "عم كامل" يحمل كأسيْن من الشّاي وضعهما أمامنا ، وبالكاد أخذت رشفة ، فلم أعد قادرا على أكثر من ذلك.

ـ أستأذنك يا "مولانا"... بكره (كذا) أراك !

ردّ مازحا :

ـ إنتو تقولو "غدوه"...يا سيدي حستنّاك...السّاعة تسعه الصّبح...ماشي ؟

ـ ماشي يا "مولانا"...تصبح على خير

ولستُ أدري إلى الآن كيف أحبّني "مولانا" و"عم كامل" بتلك السّهولة...حبّ عشته طيل الفترة التي قضّيتها في المحروسة...

(يتبع)