27‏/10‏/2008

العـرب والخمرة (2)

يستشهد القيروانيّ برؤوس اللإسلام وقادته الأوائل لتعميق المأزق الفقهيّ وليحيل مسألة التّحريم الجماعيّ للخمر دون التّمييز بين أنواعها إلى نمط من الخطإ المتأخّر الذي صاحب "تقعيد" الفقه تاريخيّا على يد علماء الكلام.
يقول : وكان عمر بن الخطّاب يشرب الصّلب (أي النّبيذ الشّديد) ، ويقول : يقطع هذا اللّحم ما في بطوننا (يقصد بذلك لحم الإبل) .
وقال الشّعبيّ : شرب أعرابيّ من إداوة خمر،فحدّه عمر للسّكر لا للشّرب.ودخل عمر على قوم يشربون ،فقال : نهيتكم عن معاقرة الشّراب فعاقرتم ،وهمّ بتأديبهم ،فقالوا : مهلا يا أمير المؤمنين ،نهاك اللّه عن التّجسّس فتجسّست ،ونهاك عن الدّخول بغير إذن فدخلتَ ،فانصرف وهو يقول : كلّ النّاس أفقه منك يا عمر !
يقول القيروانيّ : وإنّما نهاهم عن المعاقرة وإدمان الشّراب حتّى يسكروا ، ولم ينههم عن الشّرب.
وكان سفيان الثّوريّ يشرب النّبيذ الصّلب الذي تحمرّ منه وجنتاه ، واحتجّ أيضا كما احتجّ غيره بحديث عليّ بن أبي طالب : إنّ القوم يجلسون على الشّراب وهو حلال فلا يزالون حتّى يكون عليهم حراما.
ورُوي عن عثمان بن أبي العاص أنّ عمر (رض) لمّا فطر قال : أعندكم من شرابكم شيء ؟ قالوا : نعم ،فأتوه به ،فشمّه فسطع في خياشيمه فكسره بالماء وشربه.
وروي عن عمرو بن ميمون أنّ عمر قال : إنّا لنشرب من النّبيذ الشّديد ليقطع لحوم الإبل في بطوننا ،قال : وشربتُ ممّا عُمل له فكان نبيذا شديدا.
وكتب يعلى بن أميّة إلى عمر (رض) : إنّا نؤتى بقوم شربوا الشّراب ،فكتب إليه : من أُتيت به فاستقرئه أمّ الكتاب وألق رداءه وأردية أخرى ،فإن لم يعرف رداءه فأقم عليه الحدّ.
ورُوي عن عبد الرّحمان بن أبي ليلى عن أبيه قال : تعشّيتُ عند عليّ (رض) فسقاني طِلاء فلمّا قمت لأخرج كان الطّريق يمنة فأخذت يسرة ، فدعاني عليّ فقال : لعلّ شرابنا أخذ برأسك . يا جارية خذي معه قبسا.
وروي عن الحسن بن عليّ أنّ رجلا سأله عن النّبيذ ، قال : اشربه فإن خفت أن تسكر فدعه !
...يتبع...