مـدخل : كتابان من أهمّ ما ألّف العرب شدّاني وأعتبرهما مدخليْن رئيسيْن لفحم تاريخانيّة العقل العربيّ ، فُتنت بهما حدّ القراءات المسترسلة بما أنّهما مكّناني من استقراء تاريخ الدّولة وتاريخ المجتمع عبر تشابكات الزّمن .هما " الخراج" لأبي يوسف و"قطب السّرور في أوصاف الخمور" للرّقيق القيروانيّ.
وفي اتظار تناول كتاب "الخراج" ، أتعرّض في هذه المرحلة إلى الكتاب الثّاني الذي تعرّض لإشكاليّة من أهمّ إشكاليّات الفقه الإسلاميّ ألا وهي الموقف من الخمر.
هل ثمّة اتّفاق على المفهوم ؟ وعلى التّحريم ؟ وعلى ما ألفناه من القياس الأرسطيّ المستخدَم للبتّ في المسألة ؟
الإشكاليّة والمأزق الفقهيّ :
يقول الرّقيق القيروانيّ : أمّا تحريم الخمر فمجمَع عليه ، لا اختلاف فيه بين اثنيْن من الإئمّة والعلماء ، وتحريم النّبيذ مختلف فيه بين الأكابر من أصحاب رسول اللّه (ص) والتّابعين بإحسان حتّى لقد اضطرّ محمّد بن سيرين مع علمه وورعه أن يسأل عبيدة السّلمانيّ عن النّبيذ ، فقال له عبيدة : أختُلف علينا في النّبيذ.
وكان عبيدة ممّن أدرك أبا بكر وعمر ، فما ظنّك بشيء اختلف فيه النّاس وأصحاب النّبيء متوافرون ؟ فمن بين مطلقٍ وكارهٍ ، وكلّ يقيم الحجّة لمذهبه والشّاهد على قوله.
فما هو النّبيذ أوّلا ؟
يقول القيروانيّ : هو كلّ ما نبذ في الدّباء والمزفّت حتّى اشتدّ حتّى يسكر كثيره ، وما لم يشتدّ فليس يُسمّى نبيذا.وهو ما لم يُغل من عصير العنب فليس يُسمّى خمرا.
قال حفص بن غيات : كنت عند الأعمش وبين يديه نبيذ ، فاستأذن عليه قوم من طلبة الحديث فسترتُه ، فقال : لمَ سترته ؟ فكرهتُ أن أقول لئلاّ يراه من يدخل ، فقلتُ : كرهت أن يقع فيه الذّباب ، فقال لي : هيهات ، هو أمنع من ذلك جانبا !
ثمّ يستعرض القيروانيّ اختلافات الفقهاء في التّحريم والإباحة إلى أن يقول :
وقد شرب رسول اللّه من سقاية العبّاس ، فوجده (يعني النّبيذ) شديدا فقطّب بين عينيه ، ودعا بذنوب من ماء زمزم فصبّ عليه ، وقال : إذا كان هكذا فاكسروه بالماء.ولو كان حراما لأراقه وما صبّ عليه من ماء ثمّ شربه.
وكان النّبيء قد نهى وفد عبد القيس عن شرب المسكر، ثمّ وفدوا عليه بعد ذلك فرآهم مصفرّة ألوانهم ، سيّئة حالهم ، فسألهم عن قصّتهم ، فأعلموه أنّهم كان لهم شراب فيه قوام أبدانهم فمنعهم منه ، فأذن لهم في شربه.
ثمّ ، وهذا أكبر ما أُشكل عليهم ، أنّ ابن مسعود ( وما أدراك ما بن مسعود) قال : شهدنا التّحريم وشهدتم ، وشهدنا التّحليل وغبتم. وهو الذي كان يشرب الصّلب من النّبيذ حتّى كثرت الرّوايات به عنه ، وشُهرت وأُذيعت واتّبعه عليها من الكوفيّين ، وجعلوه أعظم حججهم . قال في ذلك شاعرهم :
من ذا يحرّم ماء المزن خالطه ....في جوف خابية ماء العناقيد
إنّي لأكره تشديد الرّواة لنـا ...فيها ويعجبني قول ابن مسعود
...يتبع
وفي اتظار تناول كتاب "الخراج" ، أتعرّض في هذه المرحلة إلى الكتاب الثّاني الذي تعرّض لإشكاليّة من أهمّ إشكاليّات الفقه الإسلاميّ ألا وهي الموقف من الخمر.
هل ثمّة اتّفاق على المفهوم ؟ وعلى التّحريم ؟ وعلى ما ألفناه من القياس الأرسطيّ المستخدَم للبتّ في المسألة ؟
الإشكاليّة والمأزق الفقهيّ :
يقول الرّقيق القيروانيّ : أمّا تحريم الخمر فمجمَع عليه ، لا اختلاف فيه بين اثنيْن من الإئمّة والعلماء ، وتحريم النّبيذ مختلف فيه بين الأكابر من أصحاب رسول اللّه (ص) والتّابعين بإحسان حتّى لقد اضطرّ محمّد بن سيرين مع علمه وورعه أن يسأل عبيدة السّلمانيّ عن النّبيذ ، فقال له عبيدة : أختُلف علينا في النّبيذ.
وكان عبيدة ممّن أدرك أبا بكر وعمر ، فما ظنّك بشيء اختلف فيه النّاس وأصحاب النّبيء متوافرون ؟ فمن بين مطلقٍ وكارهٍ ، وكلّ يقيم الحجّة لمذهبه والشّاهد على قوله.
فما هو النّبيذ أوّلا ؟
يقول القيروانيّ : هو كلّ ما نبذ في الدّباء والمزفّت حتّى اشتدّ حتّى يسكر كثيره ، وما لم يشتدّ فليس يُسمّى نبيذا.وهو ما لم يُغل من عصير العنب فليس يُسمّى خمرا.
قال حفص بن غيات : كنت عند الأعمش وبين يديه نبيذ ، فاستأذن عليه قوم من طلبة الحديث فسترتُه ، فقال : لمَ سترته ؟ فكرهتُ أن أقول لئلاّ يراه من يدخل ، فقلتُ : كرهت أن يقع فيه الذّباب ، فقال لي : هيهات ، هو أمنع من ذلك جانبا !
ثمّ يستعرض القيروانيّ اختلافات الفقهاء في التّحريم والإباحة إلى أن يقول :
وقد شرب رسول اللّه من سقاية العبّاس ، فوجده (يعني النّبيذ) شديدا فقطّب بين عينيه ، ودعا بذنوب من ماء زمزم فصبّ عليه ، وقال : إذا كان هكذا فاكسروه بالماء.ولو كان حراما لأراقه وما صبّ عليه من ماء ثمّ شربه.
وكان النّبيء قد نهى وفد عبد القيس عن شرب المسكر، ثمّ وفدوا عليه بعد ذلك فرآهم مصفرّة ألوانهم ، سيّئة حالهم ، فسألهم عن قصّتهم ، فأعلموه أنّهم كان لهم شراب فيه قوام أبدانهم فمنعهم منه ، فأذن لهم في شربه.
ثمّ ، وهذا أكبر ما أُشكل عليهم ، أنّ ابن مسعود ( وما أدراك ما بن مسعود) قال : شهدنا التّحريم وشهدتم ، وشهدنا التّحليل وغبتم. وهو الذي كان يشرب الصّلب من النّبيذ حتّى كثرت الرّوايات به عنه ، وشُهرت وأُذيعت واتّبعه عليها من الكوفيّين ، وجعلوه أعظم حججهم . قال في ذلك شاعرهم :
من ذا يحرّم ماء المزن خالطه ....في جوف خابية ماء العناقيد
إنّي لأكره تشديد الرّواة لنـا ...فيها ويعجبني قول ابن مسعود
...يتبع