08‏/09‏/2008

نصوص من تاريخ الجنسانيّة في التّراث الإسلاميّ


الحلقة ـ 16

تهيئة : نشير أوّلا إلى أنّ الهدف من عرض هذه النّصوص للقراءة ليس مجرّد الإثارة أو التّنفيس عن المكبوت بل نروم غاية أهمّ وهي الإشارة إلى الحرّيّة التي كانت تتمتّع بها هذه النّصوص في زمانها دون أن تتعرّض للحرق أو تكفير كاتبها ...لقد كانت تتجوّل بحرّيّة تامّة بين قصور الخلفاء وبين عامّة الشّعب دون أن تثير أيّة نعرة أو فتوى تكفّرها.
إنّنا نريد أن نبيّن للنّاس إمكانيّة الإبداع دون خوف نسجا على منوال جدودهم العظماء الذين لم يضيقوا يوما بالحديث في مواضيع جعلناها نحن اليوم ممنوعات.
النّموذج الأوّل :الجاحظ
يعتبر أبو عثمان عمرو بن بحر الملقّب بالجاحظ مثقّفا استثنائيّا واسع العلم ،وهو مولود بالبصرة عام 160هـ / 775 م وتوفّي بها عام 255 هـ / 869 م.وقد اشتهر هذا المثقّف الكبير بذكائه الخارق وإلمامه الكامل بثقافة عصره حتّى أنّه كتب ما يقارب الثّلاثمائة والستّين مؤلّفا بين كتاب ورسالة.عرف عنه تأثّره بإمام المعتزلة إبراهيم النّظّام.ولعلّ كتاب الحيوان الذي سنقتبس منه نصوصنا من أشهر كتبه وأعجبها.
النّصّ الأوّل : يتحدّث الجاحظ في هذا النصّ عن محاسن الخصيّ (العبد يُخصى حتّى لا يُخاف منه على الحريم) فيقول :
والخصيّ تجتمع فيه أمنية المرأة...فتقيم معه وهي آمنة العار الأكبر فهذا أشدّ لتوفير لذّتها وشهوتها،وإذا ابتذلن الخصيان وحقرن العبيد وذهبت الهيبة من قلوبهنّ وتعظيم البعول (أي الأزواج)،باجتلاب الحياء،وتكلّف الخجل ظهر كلّ شيء من طبائعهنّ وشهواتهنّ ،فأمكنها النّخير والصّياح،وأن تكون مرّة من فوق،ومرّة من أسفل،وسمحت النّفسُ بمكنونها،وأظهرت أقصى ما عندها.وقد تجد في النّساء من تؤثر النّساء،وتجد فيهنّ من تؤثر الرّجال،وتجد فيهنّ من تؤثر الخصيان...فالمرأة تنازع إلى الخصيّ لأنّ أمره أستر،وعاقبته أسلم،وتحرص عليه لأنّه ممنوع منها،ولأنّ ذلك حرام عليها...
قال الأصمعيّ :...قال الشّاعر :
وزادها كلفا بالحبّ أن مُنعت أحبّ شيء من الإنسان ما مُنعا
(لاحظ هنا أنّ الجاحظ لا يتّخذ موقفا سلبيّا حيال الأمر بل يورده كما هو ،على عكس ما رأيناه في نصوص ابن عرضون)
الحيوان ـ منشورات دار الهلال ـ تحقيق د.يحيى الشامي ـ المجلّد الأوّل ص 93