كـانت السّـاعة تشيـر إلـى العـاشـرة ليـلا...وكانـت القـاهـرة تغسـل قـدميْهـا فـي مـاء نيلهـا الخـالـد ، وتضـجّ بالحيـاة والسّهـر...
كنـت قـد أتممـتُ للتّـوّ إجـراءات كـراء شقّـة فـي حـيّ "الأزبكيّـة" ، وكـان شـوقي للقـاء "مولانا" (كمـا يناديه أصدقـاؤه) قـد منعنـي مـن أن أرجـئ زيـارتي "الثّقيلة" هـذه لصبـاح الغـد...
ـ "حـيّ الغـوريّه" من فضلـك !
أخـذ سـائق التّاكسي يتحـدّث عـن إعجابـه بتـونس وأهلهـا ، علـى عـادة المصـرييّن في لطفهـم ولبـاقتهم...لم تكـن المسـافة طـويلة...
ـ هـوّه ده الحـي يـا بـاشا...خـش إيمين !
لا أعـرف أحـدا...لا أعـرف عنـوانا...وليـس معـي سـوى شـوقي ،وإصـرارٍ عجيب علـى الـوصـول إلـى بيت "مولانا"...دخلـت أوّل مقهى صـادفني...هـرع النّـادل...
ـ منوّر يـا بـاشا !
ـ أريد شـايـا ! وأريد أيضـا أن تدلّنـي علـى بيت "الشّيـخ إمـام" !
ـ آه...دي عـاوزة شويّة ترتيبات...إنت تشـرب الشّاي ، وحتصـرّف.
تكلّـم النّـادل اللّطيف مـع أحـدهم ، ثـمّ جـاءا معـا ، وطلـب منّـي الشّـابّ الآخـر أن أتبعه... وبـدأت رحلـة الـدّخول إلى زقاق ضيّـق إلى أخـر أكثـر ضيقًـا ، حتّـى وصـل بـي مـرافقي إلـى دكّـان صغيـر مكتـوب عليـه "الحـاج كامـل القمصانجي"...
و"الحـاج كـامل" رجـل في عمـر "مولانـا" علـى عـلاقة وطيـدة بـه منـذ زمـن بعيـد...ابنـه طبيب ، ويتابـع حـالة "الشّيخ" في تلـك الأيّـام من مـرضه الصّعب...
عـرف "عـم كـامل" (كمـا أصبحتُ أناديه) أنّني مصـرّ علـى رؤيـة "مولانـا" ،،فـأغلـق دكّـانه...وسـار بـي حتّـى وصلنـا عمـارة قديمـة مظلمـة تتكـدّس أمـامها أكيـاس القمامة... صعـدنا السّلّم ، ووجـدت "عـم كامل" يـدفع الباب منـاديا :
ـ مـولانـا ! عنـدك ضيف مـن تـونس.
وأضـاء نـور الغرفـة...
كـان "الشّيخ" يستعـدّ للنّـوم كمـا بـدا من ثيابـه ، وكـان يقف قـرب ثـلاّجة صغيـرة...
ـ أهـلا بالحبـايب...اتفضّـل !
(يتبع)