على رقعة شطرنج غطّت الرّكح ، جاهد المخرج الشّابّ حافظ خليفة لقيادة كتيبته المدجّجة ، على وقع نصّ هائل ، وتحت مؤثّرات مشهديّة مخادعة ، لينشر على الحضور شيئا من أعماقه وأعماق كاتبه ، مساء ذلك اليوم الخريفيّ 4 / 11 / 2009 بدار الثّقافة "ابن رشيق" .
النصّ المؤسّس / خطوط الوجد والذّكريات :
ما من مرّة قرأت فيها ـ أو شاهدت ـ نصّا لإبراهيم بن عمر إلاّ وأحالني إلى طفولة فكريّة مدهشة...تماما مثلما يصنع كبار الكتّاب والفنّانين...تلك كانت أسراره الصّغيرة في الكتابة والتي مكّنت نصوصه من رائحة خاصّة،ودفء خاصّ،ودفع للرّوح صوب جذورها الأولى بعيدا عن قيود المكان وعقده.
أعرف أنّ إبراهيم بن عمر لا يخطّط لنصوصه...بل يكتبها بطفولة نادرة مستمتعا بمعانقة صباه وبلغة لا يتكلّم بها ،ولا يدرك ـ هو نفسه ـ مأتاها...حتّى ـ وهو يقرأ "جان جيني" ـ كنتُ أدرك أنّه لن يُؤسر بقيد الاسم ...وأنّه سيسحب "جان جيني" من شهرته ليكتب به ـ كما كان في الواقع ـ تاريخ المثليين والعاهرات والخدم والمستغَلّين بلغة أحسب أنّ "جان جيني" تكلّمها جهرا وسرّا.
وقد كان كذلك ،وقدّم إبراهيم للحافظ بن خليفة نصّا طفوليّا هائلا ،ملتبسا ومتأرجحا بين بساطة غريبة وكثافة أغرب ،وعاريا ومقنّعا ،ومحتشما وجريئا حدّ الصّفع.
الإخراج المعاند / خطوط الذّات والمتلقّي :
أجزم أنْ لو تُرك الحافظ خليفة على سجيّته لكان أخرج نصّ كاتبه بجنون لن يطيقه أحد...إنّه مخرج لديه حساسيّة غريبة للكلمة والنصّ...ولقد نزل على الأرض ليقف على قدميْه حين قرّر تقديم مسرحيّة للنّاس عنوانها "زرّيعة إبليس"...حينها لم يترك للنصّ مجالا للنّفوذ بل عانقه ليؤنسه و"يدجّنه" للمتلقّي...كانت أساليب المخرج حافظ خليفة في "تأهيل" نصّ إبراهيم بن عمر عنيدة،بإمكان إيّ مشاهد لمس هذا العناد المكابر ،وإدراك مدى قدرته على كسر حدّة النصّ وجبروته...إضاءة تهزّك ،ومشهديّة خلفيّة تؤرّقك ،وموسيقى قد تغمض عينيك وأنت تلج فيها وتلجك...
منصور ـ دليلة ـ جليلة والآخرون :
جمع المخرج في عمله هذا أسماء كبيرة...بعضها معروف وشهير بحكمين : التّاريخ والقدرة...وأحدها (منصور بن فرج) معروف وشهير بحكم تاريخ القدرة...لم أر منصور ودليلة بهذه الطّفوليّة الرّائعة وهذا الاستمتاع اللّذيذ بالعمل ،وهذه الطّاقة المربكة التي هزّت فضاء الرّكح ،وأدهشت المتفرّجين...