16‏/11‏/2008

حس القطا : العمل الجديد لفرقة بلديّة دوز


أمام جمهور من العادة ألاّ يحضر بذلك العدد الغفير لمشاهدة عمل لفرقة "هاوية" عرضت فرقة بلديّة دوز للتّمثيل إنتاجها الجديد "حس القطا" على ركح دار الثّقافة "ابن رشيق بالعاصمة" يوم السّبت 15 نوفمبر 2008 في نصّ للكاتب إبراهيم بن عمر وإخراج لحافظ خليفة وبمشاركة الممثّلين عبد النّاصر عبد الدّائم وجلال عبيد أساسًا مع مجموعة شابّة مكرم السّنهوري وجهاد عبيد  ومحمّد بن علي...

ابراهيم بن عمر : الوجه الآخر

عرفته الفرقة بنمط من الكتابة المسرحيّة تميّز بلغة مكثّفة عالية ، وجرأة في الطّرح تسرّبت من خلال لغة جميلة شفّافة حرص كثيرا على أن تظلّ ملتصقة بلكنتها "المرزوقيّة" مع الاجتهاد في تنقيتها وإعلائها.
إنّ أعمالا مثل "خلّي عزاها قيرّه" و"عود رمّان" و"قارانتي" وغيرها تكشف عن مبدع حقيقيّ يشتغل على لغته طويلا ويحتمي بها فيكشف منها وفيها حنينه لطفولته ، ويقتنص في ظلّها صورا من بيئته قد لا تثير أحدا غيره لكنّه حين يقدّمها عملا فنّيّا يجد فيها المشاهد شيئا من ذاته وروحه.
في هذا العمل حافظت لغة ابراهيم بن عمر على تألّقها وألقها ، لكنّها ـ وهي تزيد نضجا معه ـ التحفت بسخريّة لذيذة بلغت تخوم الفرح بل وصلت إلى إضحاك شهيّ لم يثر استغرابي على أساس معرفتي الشخصيّة بما تنطوي عليه روحه من خفّة و"كوميديا " هي فعلا خاصّة به...وكلّ من يلازمه يعرف عنه ذلك.
هذه السّخرية التي أضحكت طويلا الجمهور الحاضر مساء السّبت كانت دافئة ولم تصل حدّ التّضاحك والمجانيّة.لقد قدّم لنا ابراهيم بن عمر شخوص المعرّي وابن القارح وأبي نواس والخنساء وبشّار وغيرهم في وجوه كوميديّة ذات دلالات عميقة على تنزيل المتعالي وتبسيط المركّب، هناك أفضت الذّات بتعابيرها ومفاهيمها الخاصّة في لغة ضاحكة لكنّها مكثّفة لم تبحث عن الإضحاك بل كانت هي نفسها تضحك ممّا ترى وممّا رأت.
حافظ بن خليفة : امتلاء الرّكح
يقول المخرج في المطويّة التي قدّمتها الفرقة لعملها أنّه اعتمد تقنية "الكوميديا دي لارتي" الإيطاليّة...لقد اعتمد فعلا نصّا وافرا مكّنه من توظيف هذه التّقنية بصورة ناجحة ، أثارت إعجاب المتفرّجين.
وشاهدت ركحا مؤثّثا فعلا دون فراغات في الصّورة التي ظهرت مكتملة ملأت المكان ،تحت إضاءة يندر أنّني شاهدت أكثر منها إثارة ومتعة ،إضاءة "بسيطة "لكنّها عميقة لا تسحب إليها الشّخوص بل تنسحب إليهم فتضيء من خلال حركتهم على الرّكح.
لقد نجح حافظ بن خليفة في أن يكسو عمله هدوءه الذّاتيّ المعروف ،وأن يبصمه بعلاماته هو فنّيّا ،وكان ذلك في ما أعتقد تحدّيا ربّما طرحه على نفسه حين اختار العمل مع فرقة دوز.بصمة بدت بارزة في حسن تأثيث ركحه وإدارة ممثّليه الذين تمكّن من تفجير طاقات لم أعهدها في البعض منهم.

عبد النّاصر عبد الدّائم : الجديد
عرفته منذ بدايته مع الفرقة...كان منصور بن فرج ـ والذي أحسب أنّه من أكبر الممثّلين التّونسيّين ـ "يسحق" بشخصيّته المميّزة كلّ من يقف أمامه أو يرافقه في التّمثيل ، ويغطّـي دون نيّة مبيّتة على كلّ الوجوه رغم قدرة البعض منها ومنهم عبد النّاصر عبد الدّائم... وكان يصعب مجاراة أدائه.كان ذلك رأيي ولازال...

في هذا العمل ألقيت المهمّة على عبد الدّايم ، وأظنّ أنّها كانت شديدة عليه في البداية ،وكانت شديدة عليّ شخصيّا حين علمت بها...فلم يكن أحد من أحبّاء الفرقة ومتابعيها ليحتمل فشل أيّ كان في عمل واحد حتّى ،لأنّ الفرقة حسّاسة جدّا في هذه المسألة وقد لاتحتمل أخطاءً.
لقد أبدع عبد النّاصر ،ونجح بشكل مثير في أن يكون هو نفسه ،وربحت المجموعة ممثّلا أعطاها طعما جديدا حين وثقت به وتكشّف هو عن طاقة كوميديّة مميّزة حقّا لا بدّ أنّه سعد بها هو قبلنا...

جلال عبيد : شكرا...شكرا