ويواصل الرّقيق القيروانيّ طرح الإشكال " بدم بارد " معتمدا ما اعتمده سابقوه ممّن ظنّوا أنّهم استوفوا تقعيد الفقه وأغلقوا باب كلّ اجتهاد ووضعوا القفل في جيوب عباءاتهم أي الرّواية إظهارا وتورية .
يقول في تفريق العرب ـ لغة ـ بين الخمر والنّبيذ :
قال القلمس :
أروي بها نفسي فتحيا بشربها ولا أشتهي شرب النّبيذ من التّمر
عنى بشربها الخمرة.
كما يستشهد بسوادة بن الصّامت وأبي الأسود الدّؤليّ ليصرّح :
فهؤلاء فصحاء العرب ، فرّقوا بين عصير العنب وغيره فسمّوه خمرا دون سائر الأشربة ، وقد أجمعوا أنّ قليل الخمر وكثيره حرام ، وأكثرهم يشرب ما دون السّكر من سائر الأشربة لأنّها لا تعرف عندهم بخمر ، ولو كانت خمرا لكان القليل منها حراما ، وقد رووا عن ابن عبّاس عن النّبي (ص) أنّه قال : حُرّمت الخمر بعينها والسّكر من كلّ شراب... فإن قال قائل : قد روينا عن جماعة من أصحاب رسول اللّه (ص) منهم عمر (ض) أنّهم قالوا : إنّ الخمر من الزّبيب والتّمر والعسل والحنطة والشّعير والذرة وأنّ الخمر ما خامر العقل ، وما روي عن أنس أنّه كان يسقي عمومته من الأنصار حتّى دخل عليهم داخل فقال : إن الخمر قد حرّمت فأمروه بإراقتها ولم يكن خمرهم يومئذ إلاّ الفضيح. وما شابه ذلك من الأخبار قيل له إنّ هذه أخبار آحاد لا يثبت بها أن يطبقوا على تحريم سائر الأشربة الشّديدة لوجود اسم الخمر لها عندهم ، فلمّا لم يجمع المسلمون ولا اشتهرت عن العرب وجب بطلان ما ادّعاه من سمّى هذه الأشربة خمرا إذ كانت الأسماء لا تؤخذ بالقياس.
وقد صحّ بالأخبار المتواترة أنّ نبيذ التّمر كان فاشيا بالمدينة يشربه أهلها غنيّهم وفقيرهم ويجري عندهم مجرى أقواتهم ، فلولا أنّه أراد إطلاق الأشربة لهم لنصّ عليه كما نصّ على الخمر لأنّ النّصّ عليه أولى لشهرته وكثرة متناوليه ولقلّة الخمر ، فإنّها لا تكاد توجد عندهم.
ثمّ يردّ القيروانيّ على من أخذ الأحاديث على ظواهرها ، كحديث (ص) كلّ مسكر حرام ، فيقول :
اللّبن الرّائب يسكر كثيره...وليس أحد من المسلمين يسمّي اللّبن خمرا.والبنج يسكر والنّوم يسكر، وإذا جاز أن تخرج هذه الأشياء من جملة قوله : كلّ مسكر حرام ، جاز أن تخرج سائر الأشربة الشّديدة التي من عصير العنب من جملة الخمر.
...يتبع...
من أنا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق