الجـزء 2
لا شكّ أنّ تجربة مظفّر النّوّاب الشّعريّة تجربة مميّزة وفريدة في الشّعر العربيّ الحديث ،فهذه التّجربة قد امتزجت تماما وتماهت مع حياته التي تقاسمها النّضال السّياسيّ والفدائيّ والغربة واللّيل .ومظفّر النّوّاب ـ كما يقول د.عبداللّه الشّاهر ـ "ظاهرة خاصّة في سلوكه وحياته "،عاشها مشرّدا بين فنادق العواصم :
وآهٍ من العمرِ بين الفنادق لا يستريحْ ،،،
أَرحْني قليلاً ،
فـإنّي بـدهري جـريحْ ،،،
لقد كتب مظفّر النّوّاب تجربة هروبه من العراق باتّجاه روسيا،وصوّر بلغة دراماتيّة عالية جدّا عمليّة إلقاء القبض عليه في إيران في "وتريّات ليليّة" التي تعتبر أعظم قصيدة عربيّة معاصرة في مستوى إيقاعها الأركستراليّ الفخم وصورها الأخّاذة
"يا طيـرَ البَرقِ
لقد أوشك ماءُ العمرِ يجـفُّ قـريبَـا،،،
وفتحت معـابدَ روحي المهجـورة
إذْ كنت سمعتُك تخفق في اللّيلِ غريبَـا،،،
ونكاد نسمع أصوات روحه تتناهى في برّية الأهواز :
" نـاديتُ إلـهَ البـرّ سيكتشفـونِـي،،،
وسـأُقتل في البـرّ الـواسعِ
والـرّيحُ على أُفُــقِ البصـرةِ تـذرونِـي،،،
في العاشـر من نيسـانَ
نسيـتُ على أبـوابِ الأهوازِ عيـونِـي،،،"
ثمّ تنبثق من حنايا العذاب والحنين وتعلو صورة في غاية الاكتمال والتّوهّج:
" ورأيـتُ صبايا فـارسَ يغسلـن النّهدَ بمـاءِ الصّبـحِ
ينتفـض النّهـدُ كـرأسِ القـطّ من الغسـلِ،،،
أمـوتُ بنهـدٍ يحكم أكثر من كسـرى في اللّيل،،،
أمـوتُ بهنّ
تطلّعـن بخوفِ الطّيـرالآمِنِ في الماءِ إلى قسـوةِ ظلّـي،،،
مَن هذا المتسربلُ في اللّيل بكلّ زهـورِ النّخـلِ ؟،،،"
أمـوتُ بنهـدٍ يحكم أكثر من كسـرى في اللّيل،،،
أمـوتُ بهنّ
تطلّعـن بخوفِ الطّيـرالآمِنِ في الماءِ إلى قسـوةِ ظلّـي،،،
مَن هذا المتسربلُ في اللّيل بكلّ زهـورِ النّخـلِ ؟،،،"
ويتوجّه نحو المطلَق ناشجا :
" خـذنـي وامسـحْ فانوسَكَ في اللّيلِ
تُشـعّ بكـلِّ الأســرارِ،،،
تُشـعّ بكـلِّ الأســرارِ،،،
لا تَلُـمِ الكـافرَ في هذا الـزّمن الكـافرِ
فالجـوعُ أبـو الكفّـارِ،،،
مـولايَ أنا في صـفّ الجـوعِ الكـافرِ
ما دام الصّـفُّ الآخرُ يسجد من ثقـلِ الأوزارِ،،،
وأُعيـذكَ أن تغضـبَ منّـي
أنتَ المطـويُّ عليّ جناحـكَ في الأسحـارِ،،،...يتبع...
فالجـوعُ أبـو الكفّـارِ،،،
مـولايَ أنا في صـفّ الجـوعِ الكـافرِ
ما دام الصّـفُّ الآخرُ يسجد من ثقـلِ الأوزارِ،،،
وأُعيـذكَ أن تغضـبَ منّـي
أنتَ المطـويُّ عليّ جناحـكَ في الأسحـارِ،،،...يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق